د. فريدي البياضي يكتب: الترامباوية والقضية الفلسطينية

لفهم طريقة تفكير دونالد ترامب في القضية الفلسطينية، وخاصة فكرة تهجير الفلسطينيين، لا بد من العودة إلى أسلوبه في التفاوض كما عكسه في كتابيه “فن الصفقات” (1987) و”صفقة القرن” (2020) هذان الكتابان يوضحان أسلوبه في التعامل مع الملفات الكبرى، والذي يقوم على مزيج من القوة والمقاربة التجارية في العلاقات الدولية. فكيف يمكن لهذا الأسلوب أن يترجم إلى فكرة تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن؟

فن الصفقات: كيف يفاوض ترامب؟
يُعتبر كتاب “فن الصفقات” بمثابة دليل لفهم طريقة ترامب في التفاوض، حيث يعتمد على عدة مبادئ أساسية:
• البدء بموقف صادم ومتشدد: ترامب معروف بأسلوبه التصادمي، حيث يضع شروطًا متشددة في البداية ليكون لديه مجال للتفاوض لاحقًا. فإذا طرح فكرة التهجير، فقد يكون الهدف هو فرض أمر واقع جديد وفتح المجال أمام سيناريوهات أخرى.
• تسويق الصفقة على أنها مكسب للجميع: حتى عندما تكون الصفقة لصالحه، يسعى ترامب لجعلها تبدو وكأنها تحقق مكاسب للطرف الآخر، مما يسهل قبولها. ومن هنا، قد يحاول تسويق التهجير باعتباره “حلاً للأزمة” من الناحية الأمنية والاقتصادية.
• المرونة وفق الظروف: ترامب لا يتمسك بخطة واحدة، بل يتكيف مع ردود الأفعال والمستجدات. لذلك، إذا قوبل اقتراحه برفض واسع، فقد يحاول تعديله أو تقديمه في إطار مختلف.

صفقة القرن: كيف رأى ترامب الصراع العربي الإسرائيلي؟
في كتاب “صفقة القرن”، استعرض ترامب رؤيته لحل القضية الفلسطينية، والتي ركزت على عدة محاور:
• التعامل مع السياسة كصفقة تجارية: ترامب لا يرى العلاقات الدولية من منظور تاريخي أو حقوقي، بل وفق منطق “الأخذ والعطاء”. لذلك، يمكن أن يشمل أي مقترح للتهجير تقديم حوافز اقتصادية للدول المستضيفة، وربما استخدام المساعدات كوسيلة للضغط.
• فرض الواقع بدل التفاوض عليه: في خطته، انحاز ترامب إلى إسرائيل واعترف بسيادتها على مناطق متنازع عليها، في حين منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً محدودًا بدلاً من دولة مستقلة.
• إشراك أطراف عربية في الضغط: ترامب لم يكتفِ بإسرائيل كطرف أساسي، بل حاول إدخال دول عربية مثل السعودية والإمارات لدفع الفلسطينيين نحو قبول شروطه.
هل يمكن أن يطرح ترامب فكرة تهجير الفلسطينيين؟
إذا أراد ترامب الدفع باتجاه تهجير الفلسطينيين، فمن المتوقع أن يعتمد على ثلاث ركائز أساسية:
1. الترويج له كحل عملي للأزمة: يمكن أن يطرح الفكرة باعتبارها حلاً للصراعات المتكررة، رغم أنها في الواقع لا تقدم أي حل جذري للصراع.
2. إغراء الدول المستضيفة اقتصاديًا أو التلويح بمنع المعونات مستغلاً الضعف الاقتصادي: قد يحاول تقديم دعم مالي أو مشاريع اقتصادية لمصر والأردن مقابل استقبال الفلسطينيين.
3. تقليل دور القيادة الفلسطينية: من خلال إعادة توزيع الفلسطينيين جغرافيًا، قد يكون الهدف تقليص تأثير القيادة الفلسطينية وإعادة ترتيب المشهد السياسي في المنطقة.
لماذا يبقى هذا الطرح مرفوضاً؟
رغم الأسلوب الذي قد يعتمده ترامب في التسويق لمثل هذا المقترح، فإن الواقع الجيوسياسي يجعله غير قابل للتطبيق، لعدة أسباب:
• رفض الفلسطينيين التنازل عن أرضهم وحقهم في تقرير المصير.
• الموقف المصري والأردني الواضح برفض أي حلول على حساب أراضيهما وسيادتهما.
• التعارض مع قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى حل الدولتين وليس تصفية القضية الفلسطينية.
الخلاصة
أسلوب ترامب في التعامل مع القضايا الكبرى يعتمد على التفاوض الصدامي، تقديم المكاسب الوهمية، واستخدام النفوذ الاقتصادي للضغط. لكن عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، فإن أي طرح يتجاهل الحقوق التاريخية والقانونية للشعب الفلسطيني لن يكون سوى محاولة فاشلة لفرض واقع جديد. الحل الحقيقي لا يمكن أن يأتي عبر الصفقات التجارية أو الحلول المرحلية، بل عبر تطبيق القرارات الدولية التي تضمن للشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة وتحقيق العدالة دون المساس بسيادة الدول المجاورة.

*عضو مجلس النواب – نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي

زر الذهاب إلى الأعلى