أردوغان “الأكذوبة “صدمة من موقف الرئيس التركى بشأن غزة
إن إنقاذ أشقاءنا الفلسطينيين من الظلم الذي يتعرضون له من قبل إسرائيل ووقف الإبادة التي ترتكب في غزة أمام أعين العالم، دين في رقابنا، وكذلك فضح مرتكبي الجرائم الذين يقتلون الأطفال والأمهات والأبرياء في جميع أنحاء فلسطين، ويسرقون ممتلكات المظلومين، هو واجب إنساني يجب ألا نحيد عن، هذا ما كتبه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على صفحته الشخصية على موقع إكس.
ويواصل أردوغان حديثه: من واجبنا التاريخي أيضًا، فضح وإظهار جرائم ونفاق داعمي هذه المجازر الوحشية والدنيئة في وجوههم أينما نراهم. إن الحفاظ على قدسية وخصوصية القدس الشريف -الذي يحتضن قبلتنا الأولى المسجد الأقصى- بشكل يحفظ حقوق جميع منتسبي الأديان الأخرى، هو واجب روحي يجب ألا نغفل عنه.
وختم أردوغان تغريدته بقوله: كونوا على يقين تام، أننا نقدم للقضية الفلسطينية وما يحدث في غزة أكثر بكثير.
الموقف التركي من الحرب الدائرة الآن في غزة يتعرض للانتقاد من بعض المتابعين، بل أنهم صدموا من هذا الموقف، فهؤلاء كانوا يتوقعون من تركيا موقفًا عمليًا أكثر قوة في دعمها للمقاومة الفلسطينية، ولكنهم فاجأهم الموقف التركي الذي لم يتعد دعمه للمقاومة التصريحات والتهديدات الكلامية والمظاهرات الشعبية.
وبعض من انصدموا من الموقف التركي الحالي من الحرب الدائرة في غزة، يستذكرون مواقف سابقة لتركيا، في ظروف حروب سابقة على غزة بدا فيها الموقف التركي أكثر عملية وتجاوز المساندة اللفظية والتي كانت دائما تميز الموقف التركي عن باقي دول المنطقة.
ولكن آخرين يرون الموقف التركي الحالي هو منسجم مع الاستراتيجية والتي ينتهجها أردوغان منذ وصوله إلى حكم تركيا قبل ما يقرب من 21 عامًا.
لذلك لمعرفة حقيقة الموقف التركي وأسبابه ودوافعه يجب علينا فهم أهداف النظام التركي الحالي واستراتيجياته والتحديات الخارجية والداخلية المحيطة به.
منذ بداية حرب غزة، كان من الواضح أن هناك استراتيجية متدرجة اتبعها أردوغان.
فمن الاكتفاء بإطلاق العبارات الدبلوماسية الروتينية خلال الأيام الأولى من الحرب، إلى المطالبة بالتهدئة ووقف إطلاق والتمرير العاجل والآمن للمساعدات وطرح تركيا كوسيط محتمل ضمن سياسة ما يعرف بالتوازن الحذر إلى تبني خطاب قوي يتضمن توجيه انتقادات لاذعة للكيان الصهيوني ووصفها بالدولة المحتلة، مع تأكيد أن حماس هي حركة مقاومة وأفرادها مجاهدون.
وبعد مرور أسبوعين من انطلاق طوفان الأقصى وبالتحديد في يوم 21 أكتوبر ومع تحول القصف الصهيوني إلى عملية إبادة لغزة، فاجأنا زعيم حزب “الحركة القومية” التركي أقوى حلفاء أردوغان دولت باهشتلي بالتصريحات التالية التي جاءت في حسابه على تويتر فماذا كتب؟
“إن لم يعلن وقف إطلاق النار خلال ٢٤ ساعة، ولم تتوقف الهجمات، وواصلوا رمي القنابل على المظلومين، فإني أعرب عن رأيي أمام شعبنا بوضوح، وهو أن تركيا عليها أن تتدخل بسرعة لتقوم بكل ما توجب مسؤوليتها التاريخية والإنسانية والعقدية. مهمة حماية غزة والدفاع عنها هي ميراث تركها لنا أجدادنا.”
“الكوارث التي تعيشها غزة جريمة ضد الإنسانية، وإذا لم نتصرف بعقليتنا وإرادتنا القديمة وإذا لم ندعم التحركات السياسية والدبلوماسية بالردع العسكري فمن المؤكد أن كوارث مماثلة ستحدث في الأناضول.”
“إن الجمهورية التركية مستعدة لجعل غزة مدينة الأطفال السعداء ومدينة إسلامية يعيش فيها إخواننا وأخواتنا بسلام وأمان، وأقسم بالله أنها قادرة على ذلك. ويقف رئيسنا إلى جانب الأمة التركية وجميع المؤمنين في نضاله الدبلوماسي النشط والمتعدد الأبعاد.”
وقبلها بيومين انتقد باهشتلي زيارة بايدن للكيان فكتب مغردا: زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل، اليوم، خطأ تاريخي وكبير، وهي رسالة علنية واضحة تعني أنه أصبح طرفا بالدمار والعنف.
إذا لم تكن القدس وغزة وحلب وكركوك آمنة فإن أنقرة غير آمنة أيضا، ونعرف كيف نكون في غزة والقدس قبل الفجر، وبعدها قال باهشتلي: الساعات 24 التي حددتُها سابقا قد مضت وتمت لذلك أطالب الدولة التركية والشعب التركي أن يكونوا جاهزين لكل احتمال.. ما يحصل في غزة جريمة ضد الإنسانية وإذا لم نتحرك فسيحصل نفس الألم هنا في أراضي الأناضول.
ويبدو أن تحرك باهشتلي كان بالتنسيق أو مدفوعا من جانب أردوغان.
وهيمنت حرب غزة على الاحتفالات بقرن تركيا، وأعلن أردوغان إلغاء زيارة مرتقبة إلى إسرائيل، بالتوازي مع ما شهدته العديد من المدن التركية من مسيرات حاشدة داعمة للفلسطينيين، ثم إلغائه العلاقات الاقتصادية ولزيارته المرتقبة لتل أبيب مما حدا بالحكومة الصهيونية إلى استدعاء موظفيها الدبلوماسيين من أنقرة للتشاور، وفي النهاية سحبت الحكومة التركية سفيرها لدى الكيان.
ووصل التحدي بين الدولتين، إلى أن أعلن وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة، منح الإذن بدخول سفينتين تركيتين إلى الموانئ المصرية، لنقل المستشفيات الميدانية وسيارات الإسعاف المخصصة لعلاج الجرحى في غزة، ومن المخطط أن يتم نقل مرضى السرطان والحالات الطارئة عبر طائرات إسعاف ومستشفيات عائمة إلى تركيا.
ولكن جاء الرد الصهيوني برفض المستشفيات التركية العائمة، وتم الإتيان بمستشفى عائم فرنسي صحبته غواصة نووية فرنسية لشواطئ مصرية وليس لشاطئ غزة.
فما كان من الأتراك أنهم اتصلوا بالقاعدة الروسية في سوريا المتواجدة في ميناء طرسوس لتأمين تواجد المستشفى العائم التركي في غزة، وهذا على ما يبدو كان السبب الذي دفع بلينكن إلى زيارة تركيا.
ثم كان خطاب أردوغان وتذكيره بأن الجيش التركي ساعد أذربيجان وليبيا في الحصول على حقوقهم بالقوة المسلحة، وكأنه إشارة إلى استعداد تركيا في التدخل عسكريًا إلى جانب الفلسطينيين في غزة.
وهذا ما دفع العقيد المتقاعد بالجيش الأمريكي دوجلاس ماكجريجور إلى التصريح بأن “أردوغان هو الشخص الوحيد في الشرق الأوسط الذي لديه القدرة على تدمير إسرائيل، بل من المؤكد أن الجنود الأتراك سيقاتلون في غزة، فأردوغان حساس للغاية بشأن التوقيت. سوف يعلن النفير في بلاده. نعم سيتحقق ذلك، وسيكون من الخطأ إنكار ما نراه.”
ولكن مسارعة الولايات المتحدة إلى إرسال حاملات طائراتها إلى شرق المتوسط، أوقف التفكير التركي بالتدخل، وفي نفس الوقت لم تصمت تركيا حتى لا تبدو بالضعف، فقد أعلن الجيش التركي فجأة عن مناورة بحرية مع جمهورية قبرص التركية في شرق المتوسط، والتي تحدثت عنها وسائل الإعلام التركية، حيث تقول تركيا عنها أنها ستجري من يوم 16 إلى يوم 20 من هذا الشهر بالذخيرة الحية، وتحذر السلطات التركية أي سفينة من الاقتراب منها.
وبذلك يبدو الموقف التركي بعدم التدخل العسكري في حرب غزة منسجما مع استراتيجية حزب العدالة الخارجية في أنها لم تصل بعد إلى درجة تحدي النظام الدولي وكسر قواعد اللعبة العالمية، فالحرب الدائرة في غزة لن تخرج تركيا عن مسارها تجاه مشروعها للنهوض حتى لا تفقد ما بنته خلال السنوات الماضية.