علي جمعة يوضح الفرق بين مالك الملك ومالك يوم الدين
قال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف: إننا نقرأ في صلواتنا في اليوم والليلة أكثر من سبعة عشرة مرة قوله -تعالى- : «مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ»، فيذكرنا ربنا بأنه مالك لهذا اليوم، ويذكرنا كذلك بهذا اليوم العظيم، فهو سبحانه يملك هذا اليوم، وهو مالك الملك.
وأضاف « جمعة» في منشور له على صفحته الرسمية بموقع الواصل الاجتماعي « فيسبوك» أن الله – سبحانه وتعالى- ذكر اسم “مالك الملك” في قوله -تعالى- : « قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِى المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» لإزالة توهم الناس أن المخلوق يملك، حيث يُرى له من كسب ظاهر، وتصرف مجازي في ملك الله، إلا أن الله ينفي كون ذلك الملك على حقيقته؛ فلو كان كذلك لما انتُزع منهم وأعطي لغيرهم؛ فالمُلك لله وحده.
ونبه عضو هيئة كبار العلماء أن مالك الملك مركب إضافي من كلمتين الأول: مالك وهو اسم فاعل من ملك الشيء يملكه فهو مالك له، ويقتضي الانفراد بالتصرف في المملوك؛ فيتصرف فيه تصرفا مطلقا، والمُلك بضم الميم مصدر بمعنى السلطان والقدرة، لافتًا: معنى الاسم بجزأيه: المنفرد بالتصرف المطلق فيما يملكه سبحانه، ومُلكه هو خلقه، فكل ما سوى الله خَلق من خلقه يملكه -سبحانه- ويتصرف فيه كيف يشاء بحكمته وقدرته.
وتابع المفتي السابق أن مالك الملك اسم يتبع قسم الجلال، فهو يُحدث في قلب المؤمن خضوعه خشوعًا لله، فيشعر المؤمن بعظمته وقدرته على التصرف في ملكه، كما أنه يُشعر المؤمن بالافتقار والاحتياج إلى الله، ويشعره بمدى الضعف الإنساني حيث لا يملك لي نفسه موتا ولا حياة ولا نشورا، مضيفًا: كون -مالك الملك- من قسم الجلال فإن ذلك يقتضي من المسلم أن يتعلق به، ولا يتطلع للعظمة والكبرياء وتوهم التصرف في الأشياء، مما يوجب غضب ربنا -سبحانه وتعالى-.
واستشهد الدكتور على جمعة بقول النبي – صلى الله عليه وسلم-: حيث يروى عن ربه -عز وجل-: «الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار» [أبو داود، والحاكم]، لافتًا: ” اسم مالك هكذا بغير إضافة المُلك يصلح لأن يطلق على البشر على جهة الاسم أو الصفة، فهو اسم أحد ملائكة الله من خزنته جهنم -أعاذنا الله منها- قال تعالى : « وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ».
وواصل: مالك تكون صفة كذلك لمن يملك من البشر، مع التنبيه على أن ملكية البشر ملكية مجازية، فالله هو المالك على الحقيقة، فربنا يملك البشر وما تحت أيديهم، والملكية المجازية التي هي للبشر عرفها الإمام القرافي بأنها : “حكم شرعي مقدر في العين أو المنفعة , يقتضي تمكن من يضاف إليه من انتفاعه بالمملوك والعوض عنه من حيث هو كذلك.”
وألمح: لأن كل من تنتقل إليه عين أو منفعة عن طريق الشراء أو الهبة أو الإرث أو الإيجار أو غير ذلك فهو مالك لها، أباح له التشريع الإسلامي حرية بيعها ووهبها وإهدائها وتأجيرها وغير ذلك من أشكال التصرف، إذن فمالك تطلق على المخلوق باعتبارها اسم يتسمى به، وتطلق باعتبارها صفة له تدل على قدرته على التصرف فيما يملكه.
وأكمل أن المالك من ناحية التصرف أقوى من المَلك، والملك من ناحية الرتبة أعلى من المالك فمن له الحكم والفصل في يوم القيامة ؟، الله إذن هو الملك ومن له التصرف المطلق يوم القيامة يحاسب من يشاء ويعذب من يشاء ويرحم من يشاء؟، الله إذن هو المالك والملك في نفس الوقت، أما بين البشر فقد يسمى مَلكا من يحكم البلاد ولكنه لا يسمى مالكا للدولة، فلا الدولة ولا الشعب من أملاكه، وإنما هو ملك؛ لأنه يملك حق تسيير أمور البلاد بما يتفق مع مصلحة الرعية، فحكم الحاكم منوط بالمصلحة كما تقرر في الفقه.
وأردف أن العلاقة بيننا وبين الله – تعالى- هي أنه -سبحانه- يملكنا على الحقيقة فهو مالك لنا ولكل الخلق، وهو كذلك يملك أمرنا فهو الملك إذن ربنا مالك الملك، وإذا جاز إطلاق اسم مَلك على البشر مجازا، بمعنى أنه يسود البلد أو يرأسها، إلا أنه لا يجوز أن يطلق على أحد اسم ملك الملوك لأنه خاص بالله، وقد نهى النبي – صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال : «أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى بملك الأملاك» قال سفيان يقول غيره : تفسيره شاهان شاه»، [رواه البخاري ومسلم].
واختتم: فهو ملك الملوك ولا يكون ذلك إلا لله، وقوله -تعالى -: «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِى المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، ينبهنا فيه ربنا -سبحانه- على أن كل شيء بيديه؛ فإذا أراد الإنسان الدنيا فعليه بالله، وإذا أراد الآخرة فعليه بالله، وإذا أراد الدنيا والآخرة فعليه بالله؛ لأنه هو مالك الملك.
