...

علي جمعة يرد على من يتهمون الصوفية بالتساهل في اتباع الشرع

 

قال الدكتور علي جمعة ، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، إنه فيما ورد عن الإِمام الشاطبي، أنه يقول: إِن كثيرًا من الجهال، يعتقدون في الصوفية أنهم متساهلون في الاتباع والتزام ما لم يأت في الشرع التزامه، مما يقولون به ويعملون عليه، وحاشاهم من ذلك أن يعتقدوه أو يقولوا به.

وأوضح «جمعة» عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن أول شيء بَنَوْا عليه طريقهم اتباع السنة واجتناب ما خالفها، حتى زعم مُذكِّرُهُم وحافظ مأخذهم، وعمود نحلتهم أبو القاسم القشيري: إِنهم إِنما اختصوا باسم التصوف انفرادًا به عن أهل البدع.

وتابع: فذكر أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسَمَّ أفاضلهم في عصرهم باسم عَلَمٍ سوى الصحبة، إِذ لا فضيلةَ فوقها، ثم سمي من يليهم التابعون، ثم اختلف الناس، وتباينت المراتب، فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية في الدين: الزهاد والعبَّاد.

وأضاف: ثم ظهرت البدع وادَّعى كل فريق أن فيهم زهادًا وعُبَّادًا، فانفرد خواص أهل السنة، المراعون أنفسهم مع الله، والحافظون قلوبهم عن الغفلة باسم التصوف، فتأمل تغنم، والله أعلم) [الاعتصام].

وكان مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، لفت إلى أنه يقول تعالى : «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ (3﴾ » من سورة  الكوثر، منوهًا بأنه لو لم نقيد أنفسنا في تدبر هذه السورة بأسباب النزول، فإن هذه السورة ستكون بيننا وبين الذين يبغضون الدين إلى يوم الدين.

وأوضح «جمعة» أن الذين يبغضوننا من أجل أننا نصلي لربنا، وننحر له سبحانه، ونطعم الفقراء والمساكين، فإن بيننا وبينهم الشنآن أن ندعوهم بأنهم هم الأقطع من الخير والأقطع عن الحق، مشيرًا إلى أن كلام ربنا إرشاد للبشر إلى جادة الصواب والصراط المستقيم، فلا تحزن أيها المسلم بما يقولون ويسبون به الإسلام وأهله من أنه دين لا رحمة فيه، وأنه دين إرهاب.

وأضاف أن المشركين من قبل آذوا رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وأرادوا إدخال الحزن على قلبه بكلامهم، فأرشدهم ربنا سبحانه وتعالى بأن عدوه هو الأبتر المقطوع ممحوق البركة، وعندما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يذبح أضحيته وقد أوتي بكبشين أقرنين أملحين فقال : «إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، على ملة إبراهيم حنيفا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك عن محمد وأمته باسم الله والله أكبر ثم ذبح» [رواه أبو داود في سننه].

وتابع: فقبل ذبح الأضحية يقدم التوجه لله وحده والتوحيد له والإقرار بملة إبراهيم عليه السلام، ويؤكد أن الأعمال كلها لا تنصرف إلا لله، فيذبح الأضحية تقربا إلى الله سبحانه وتعالى، بكلام يوضح إذن الله لنا في ذبح هذا الحيوان للانتفاع به بالأكل والإطعام والإهداء، مؤكدًا أنه لا ينبغي أن يعترض على الله، فليس من وظيفة العقول الاعتراض على الخالق وإنما محاولة فهم حكم الخالق.

وأشار إلى أنه إذا عجزنا عن فهم بعض الحكم لقصور في عقلنا، ويؤمنون بأن ذلك كله من الله فيسلمون له، وذلك شأن أصحاب العقول السليمة، يقول تعالى : «وَالرَّاسِخُونَ فِى العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ» الآية 7 من سورة آل عمران، ويطلب العلم والفهم من الله شأن الملائكة الكرام حيث قالوا : «قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ» الآية 32 من سورة البقرة.

واستطرد: واعلم أن هذا الذي يقوله لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو لضبط النفس والوصول بها إلى الميزان الذي أنزله الله مع أنبيائه ودل الله الخلق عليه، قال تعالى : «اللَّهُ الَّذِى أَنزَلَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ» الآية 17 من سورة من الشورى، لم يقل الله الذي أنزل على أنبيائه أي إلى أنبيائه، بل قال الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان، وكأنهما نزلا بالحق لكل البشر فلا يختصا بنبي ولا ولي إنما، وهما يمثلان الحكمة وهي القدرة على السير في طريق قويم بين الإفراط والتفريط.

واستشهد بما قال تعالى : «يُؤْتِى الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ» الآية 269 من سورة البقرة ،  فالكتاب للنظر والميزان للعمل، وفقد الميزان يذكرنا بقول بعض السفهاء بأنه يريد أن يكون الحج في كل أيام أشهر الحج، فرأيناهم يهرفون بما لا يعرفون،  فلا يصح أن يطلق الإنسان عقله الكاسد، وجهله السائد لتفسير القرآن الكريم فيخرج لنا بكلام عجيب غريب، يضحك ويبكي.

ونبه إلى أن الفصل بين حرية البحث العلمي للوصول إلى صحيح المعرفة، وبين تقييد الاستعمال للوصول للمحافظة على الثوابت العلمية وعمارة الكون، فإنه أمر قد اختلط على كثير من الناس مع وضوحه وتأكده؛ لذا قد وجب علينا التنبيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى