...

رسائل فوز ترامب في ولااية أيوا تزلزل أركان الديمقراطيين

حمل الفوز الكبير الذى حققه الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بالانتخابات التمهيدية فى ولاية أيوا، الاثنين، رسائل هامة، كاشفاً عن هيمنته القوية داخل الحزب الجمهوري، وعزمه الحصول على ترشيح حزبه للانتخابات الرئاسية المقرر فى نوفمبر المقبل.

واعتبر خبراء ومحللون أميركيون أن فوز ترامب، فى ولاية أيوا، يحمل رسائل هامة، من بينها أنه أصبح «المرشح الحتمي»، وأن إنكاره المستمر لنتيجة انتخابات 2020 أقنع الملايين بالفعل، وأن الاتهامات القانونية الموجهة إليه غير كافية لصرف الناخبين عنه.

«تماسك جمهوري» حول ترامب

لم تخالف نتائج الانتخابات التمهيدية التوقعات، بل زاد ترامب عليها رقماً قياسياً بفوزه بفارق 30 نقطة مئوية عن أقرب منافسيه، متجاوزاً المرشح الجمهورى السابق دول، الذى خاض الانتخابات الداخلية للحزب 3 مرات، وكان مرشحه للرئاسة فى انتخابات عام 1996، لكنه خسر أمام بيل كلينتون.

وحصل ترامب على 51% من الأصوات، وجاء حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس فى المركز الثانى بـ 21%، متقدماً بهامش ضئيل على سفيرة الأمم المتحدة السابقة نيكى هيلى التى حصلت على 19%.

وأظهر فوز ترامب بأصوات أكثر من نصف ناخبى الولاية، تماسك الحزب الجمهورى حوله لـ8 سنوات متتالية، على الرغم من مواجهته 91 تهمة جنائية فى 4 لوائح اتهام، وهو ما قد يعزز خطواته فى الطريق نحو الترشح للمرة الثالثة على التوالي.

ولم يكن فوز ترامب فى أيوا مفاجئة للكثيرين، لكن حجم الفوز ومضاعفة حصته من الأصوات فى الولاية، منذ عام 2016، أثار دهشة المحللين، فى الانتخابات الأمريكية، احتل المركز الثانى بنسبة 24% مقابل 28% للسيناتور الجمهورى تيد كروز، لكن الاثنين الماضي، تكاد أصواته تساوى مجموع أصواته وأرقام كروز معا فى عام 2016.

«إنكار مقنع.. وتهم غير كافية»

خبير الدراسات السياسية فى مركز جامعة فيرجينيا للسياسة، كايل كونديك، وصف أداء ترامب بأنه «قوى للغاية» ما يسمح له بالفوز بترشيح الحزب.

وقال كونديك، إن ترامب فاز فى جميع مقاطعات ولاية أيوا ما عدا مقاطعة جونسون فقط، التى فازت فيها هيلى بفارق صوت واحد، كما فاز ترامب بـ87% من دوائر الولاية.

وأضاف: «أداء ترامب فى أيوا كان ضعيفاً عام 2016، لكن اليوم موقفه قوى فى معظم المناطق».

ولفت كونديك، إلى أن فوز ترامب فى أيوا يحمل رسائل هامة، من بينها أن إنكاره المستمر لنتيجة انتخابات 2020، أقنع الملايين بالفعل من ناخبى الحزب الجمهورى الذين سعوا لإعادته للسلطة التى فقدها فى عام 2020.

وتابع: «الرسالة الأخرى هى أن كل الاتهامات القانونية الموجهة إليه غير كافية لصرف الناخبين عنه، وأن كل مزاعمه بأن التهم سياسية تلقى صدى لدى مؤيديه، وتعزز قبضته داخل الحزب الجمهوري».

تداعيات فوز ترامب على باقى المرشحين

قبل انتخابات أيوا، توقعت استطلاعات الرأى فوز ترمب، وأفادت بأن الناخبين ينظرون إليه باعتباره الأنسب لمنصب الرئيس، حتى لو أدين بارتكاب جريمة.

واعتبر أستاذ العلوم السياسية والانتخابات والرأى العام فى جامعة كولومبيا البريطانية (فى كندا)، ريتشارد جونستون، أن الوزن الإضافى الذى أضافته ولاية أيوا، دليل يؤكد أن استطلاعات الرأى تبدو متناغمة حقاً مع الحزب الجمهورى على الأرض.

وقال جونستون، إن حملة ترامب كانت تروج لفكرة أنه «المرشح الحتمي»، بحيث لا ينبغى للحملات الأخرى أن تضيع وقتها وأموالها، وتنضم إلى السباق.

وأضاف جونستون، أن «النتيجة عززت وجهة النظر القائلة بأن هيلى تتمتع بميزة أكبر من ديسانتيس، وفى هذه المرحلة، هى الوحيدة التى يمكن قبولها، ولو عن بعد كبديل لترمب.. كان من المفيد لو أنها احتلت المركز الثانى بالفعل، وليس فى التعادل القريب». واحتلت هيلى المركز الثالث فى نتائج التصويت.

ورأى جونستون، أن فوز ترامب له تداعيات تؤثر فى باقى المرشحين المحتملين، إذ أن فوزه جعل المانحين يعيدون التفكير فى المرشح الجمهورى الذى يدعمونه، وربما يتوصلون إلى النتيجة نفسها، وهى أن ترامب هو المرشح الواجب ترشيحه بدلاً من إهدار الأموال على منافسيه الآخرين.

واعتبر أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز السياسة الأميركية فى جامعة دنفر، سيث ماسكت، أن تماسك أنصار ترامب من أجله، وتحقيقهم أكبر فوز على الإطلاق فى كتلة أيوا المتنازع عليها، من أهم رسائل الجولة الانتخابية.

وقال ماسكيت، إن النتائج تشير إلى أنه حتى لو اتحد جميع خصوم الرئيس السابق فى مرشح بديل واحد، «فمن الصعب أن نرى كيف سيهزم هذا المرشح ترمب».

ولا يختلف أحد على أن أداء ترامب فى ولاية أيوا كان قوياً، وساعد فى تعزيز مكانته باعتباره الخيار الأفضل لحزبه بعد خسارته ولاية ثانية فى عام 2020، لكن حصوله على نحو  56 ألف صوت فقط، فى الولاية ذات الميول الجمهورية، شكك فى سيطرته عليها.

وأرجع الأستاذ فى جامعة أيوا، رونالد مكمولين، ضعف نسبة المشاركة إلى حالة الطقس السيئ التى سيطرت على الولاية يوم التصويت.

وقال: «كان الجو بارداً جداً فى الولاية، لدرجة أن جامعتى طلبت عقد جميع الفصول الدراسية عبر تطبيق (زووم)، وأدركت تلك الليلة أن نسبة المشاركة ستكون أقل من ليالى المؤتمرات الحزبية فى السنوات الماضية».

وأوضح مكمولين أن عدد سكان الولاية قليل، ولا يتجاوز 3 ملايين شخص، معتبراً أنه يمكن للبعض أن يجادل بشأن الإقبال «لكن الواقع أن ترامب حصل على أكثر من نصف الأصوات فى المؤتمرات الحزبية هذا العام، وهو فوز تاريخى يحسب له».

استمرار ديسانتيس فى السباق

باعتبارها المرشحة المفضلة لدى الجمهوريين الذين لم يصوتوا لترمب، احتلت هيلى المركز الثالث فى أيوا بفارق 3% مع ديسانتيس، و30% مع ترمب.

وطرحت هيلى نفسها كثيراً بأنها البديل الأقوى لترمب، ودعمتها استطلاعات الرأى وتحليلات الخبراء، وكانت تأمل الوصول إلى هامبشاير فى 23 يناير، وهى حاصلة على المركز الثانى بعد ترمب، وليس الثالث.

وكثفت هيلي، فى خطابها بعد المؤتمر الحزبي، من هجومها على الرئيس السابق، وقالت: «حملتنا هى الأمل الأخير لوقف كابوس ترامب وبايدن».

واعتبر خبير الدراسات السياسية فى مركز جامعة فيرجينيا للسياسة، كايل كونديك، أن تقارب هيلى فى النتيجة مع ديسانتيس، يعزز فكرة أن الناخبين الجمهوريين لم يستقروا بعد على بديل لترمب.

ووصف ليلة هيلى فى أيوا بـ «السيئة»، موضحاً أنها «كانت تريد أن تحتل المركز الثانى بوضوح وأن تكون البديل الوحيد لترمب، ولكن بدلاً من ذلك، احتل ديسانتيس المركز الثانى ما يجعل هيلى تبدو أضعف، ويعنى ذلك أيضاَ أن ديسانتيس سيبقى فى السباق بدلاً من الانسحاب، وهو ما كان من الممكن أن يحدث لو كان أداؤه أضعف فى ولاية أيوا».

ويرى كونديك أنه من الأفضل الحُكم على أداء هيلى بعد جولتى نيو هامبشاير، وكارولينا الجنوبية «موطنها»، مشيراً إلى أن ائتلافها الداعم، الذى يهيمن عليه خريجو الجامعات والجمهوريون الأكثر اعتدالا، «ليس هو الذى يأتى عادة بالمرشحين الجمهوريين».

نيو هامبشاير.. فرصة هيلي

أستاذ العلوم السياسية والانتخابات والرأى العام فى جامعة كولومبيا البريطانية، ريتشارد جونستون، يتفق مع كونديك، فى أن أفضل فرصة لهيلى ستكون فى نيو هامبشاير، ولا ينبغى لها إضاعتها.

وأوضح أنه «إذا قررت هيلى البناء على نيو هامبشاير، عليها أن تفوز بالولاية بشكل مباشر، على أن يكون أداء ترامب سيئاً نسبياً، وإذا حدث ذلك فإنه يطرح مسألة قابلية الانتخاب فى الانتخابات العامة، وستدعى هيلى حينها أن هذا يشير إلى أن لديها جاذبية أقوى للناخبين فى الوسط».

ولا تعد ولاية أيوا مقياساً للفوز بترشيح الحزب، وكان آخر مرشح جمهورى فاز فى المؤتمرات الحزبية فى ولاية أيوا، وحصل فى نهاية المطاف على بطاقة ترشيح الحزب الجمهورى هو جورج دبليو بوش فى عام 2000، بحسب وكالة «أسوشيتد برس».

وقبل أقل من أسبوع على الانتخابات التمهيدية المقررة فى نيو هامبشاير، أظهر استطلاع رأى حديث، أن ترامب يحتل الصدارة فى الولاية.

وأفاد الاستطلاع، الذى أجرته «بوسطن جلوب»، وجامعة سوفولك، و»إن بى سي» وظهرت نتائجه، الأربعاء، أن الرئيس السابق سيحصل على دعم 50% من الناخبين الجمهوريين المحتملين فى الولاية تليه هيلى بنسبة 34% بينما حصل ديسانتيس على 5% فقط.

وقال كونديك إنه من الممكن أن يخسر ترامب نيو هامبشاير لصالح هيلي، مشيراً إلى أن ولاية نيو هامبشاير أكثر اعتدالاً وأقل تديناً من أيوا (الأوساط المحافظة أكثر دعماً لترمب) وغيرها من الولايات التمهيدية الجمهورية الرئيسية الأخرى، لكنه فى الوقت نفسه، لا يعتقد أن خسارة ترمب، فى هامبشاير تغير السباق بشكل جذري.

احتمالات خسارة ترمب

اعتبر كونديك، أنه «من المفيد أن يضطر ترامب إلى الخسارة فى نيو هامبشاير وساوث كارولينا، ليجد نفسه فى سباق حقيقي».

فى المقابل استبعد ماسكيت خسارة ترامب فى نيو هامبشاير، ومع ذلك، أشار إلى استطلاعات الرأى التى تبين أن هامش السباق فى الولاية ضيق نوعا ما، «وقد ينتهى الأمر بالمستقلين إلى التصويت فى الانتخابات التمهيدية، لذا فمن المعقول أن يخسر».

لولاية نيو هامبشاير تاريخ من خسارة المرشحين الأقوياء، ومن أبرزهم جورج دبليو بوش عام 2000، أمام جون ماكين، على الرغم من حصوله على قدر كبير من الدعم الحزبي، لذلك يرى ماسكيت أنه «إذا خسر ترامب فى نيو هامبشاير، فسيُنظر إلى ذلك على أنه مؤشر على عدم اتحاد الحزب الجمهورى بأكمله خلفه، لكن من المرجح ألا يؤدى ذلك إلى إبطاء طريقه نحو الترشيح».

واتفقت أستاذة الشؤون الحكومية والمديرة الأكاديمية لمعهد إدارة الحملات بالجامعة الأمريكية بواشنطن، كانديس نيلسون، مع ماسكيت، فى أن فوز ترامب فى أيوا يزيد زخمه.

وقالت: «حتى لو جاء ترامب فى المركز الثانى فى نيو هامبشاير، فلن تؤثر النتائج الأولية المتبقية على فرصه فى الحصول على بطاقة ترشيح الحزب الجمهوري.

لا بديل عن «مباراة العودة» بين ترامب وبايدن

يراهن ترامب على تسريع عملية اختيار مرشح الحزب الجمهورى من خلال سلسلة من الانتصارات التمهيدية المبكرة، وإجبار المنافسين الآخرين على الانسحاب من السباق.

ويدفع فوز ترامب فى أيوا نحو «مباراة العودة» المتقاربة ضد الرئيس الديمقراطى جو بايدن، فى الانتخابات التى تجرى فى نوفمبر 2024.

وحتى قبل الفوز فى أيوا، توقعت استطلاعات الرأى وجود مباراة عودة بين بايدن وترامب على غرار انتخابات 2020. ومع فرضية فوز ترامب ببطاقة ترشيح الحزب الجمهوري، يتمسك الحزب الديمقراطى بدعم بايدن لخوض السباق الرئاسي، دون تغيير فى الخطط.

واعتبرت نيلسون، أنه «من المؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن ترامب سيكون المرشح الجمهوري، وبايدن سيكون المرشح الديمقراطي، ومع توقع تلك الفرضية بشكل كبير، سيكثف الديمقراطيون جهودهم لإقناع الناخبين بالشكل الذى ستبدو عليه ولاية ترامب الثانية، بدءاً من الانتقام من خصومه السياسيين وتقويض الديمقراطية».

واتفق كونديك مع نيلسون فى أن الأمر محسوم نوعاً ما، قبل ولاية أيوا وبعدها، موضحاً أن نتائج ولاية أيوا تزيد من احتمالات ذلك مع استمرار ترامب فى إحكام قبضته على الناخبين الجمهوريين.

وأضاف: «ليس لدى بايدن أى معارضة حقيقية فى الانتخابات التمهيدية لحزبه، ولم يظهر أى مؤشر على رغبته فى التنحى طواعية.. إن سيطرة بايدن على ترشيح الحزب الديمقراطى آمنة للغاية، ولا يملك أى من منافسى بايدن أى فرصة حقيقية للفوز بالترشيح».

ماسكيت اعتبر أيضاً أن ترشح بايدن محسوم، إلا إذا حدث أى تدهور كبير فى صحته، مشيراً إلى أن «الديمقراطيين وحدوا صفوفهم دعماً له».

فى المقابل رأى جونستون، أنه ربما يكون هناك بديل أقوى من بايدن، لكن لم يكن هناك اختبار للوضع، ولا مناظرات، ولا انتخابات تمهيدية غير مرئية، ولا أى من الأجهزة المعتادة التى يتم من خلالها تصنيف المتنافسين المفترضين.

ومع حتمية فوز ترامب بالترشح، لفت جونستون إلى أهمية التخفيف من «النزعات نحو الانقسام».

وأضاف: «من شأن السباق أن يخلق حوافز لتعظيم الاختلافات داخل الحزب وتحديداً الحرب على قطاع غزة التى كشفت عن خلافات مريرة فى الائتلاف الديمقراطي، وبايدن يائس من وضع حد للصراع، لكن من وجهة النظر الانتخابية، فإن تنحيته أو إسقاطه لن يؤدى إلا إلى تفاقم الأمور، وفى الوقت نفسه، ينظر الكثيرون إلى ترامب على أنه الأقل تهديداً بين البدائل الجمهورية الموجودة على الساحة الآن».

زر الذهاب إلى الأعلى