...

في الذكرى الـ113 لـ ميلاد إمام الدعاة و مجدد المئوية الشيخ محمد متولي الشعراوي تعرف على أهم محطات حياته .. و رؤيته للنبي ..و مسلكه الصوفي على يد شيخه الجزائري

كتبت منار سالم

في مثل هذا اليوم 15 إبريل من عام 1911 تحل ذكرى ميلاد عالم دين ووزير أوقاف مصري سابق، يعد أشهر مفسري معاني القرآن الكريم في القرن العشرين؛ كما يعتبر مجدد دين الأمة الـ11.
عمل الشيخ محمد متولي الشعراوي، على تفسير القرآن الكريم بطرق مبسطة وعامية مما جعله يستطيع الوصول لشريحة أكبر من المسلمين في جميع أنحاء العالم العربي، لقبه البعض بإمام الدعاة ، كما اشتهر بخواطره حول القرآن الكريم.

ولد محمد متولي الشعراوي بقرية دقادوس مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية بمصر، وحفظ القرآن الكريم في الحادية عشرة من عمره، وفي عام 1922 التحق بمعهد الزقازيق الإبتدائي الأزهري، وأظهر نبوغًا منذ الصغر في حفظه للشعر والمأثور من القول والحكم، ثم حصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية سنة 1923، ودخل المعهد الثانوي الأزهري، وزاد اهتمامه بالشعر والأدب، وحظي بمكانة خاصة بين زملائه، فاختاروه رئيسًا لاتحاد الطلبة، ورئيسًا لجمعية الأدباء بالزقازيق، وكان معه في ذلك الوقت الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي، والشاعر طاهر أبو فاشا، والأستاذ خالد محمد خالد والدكتور أحمد هيكل والدكتور حسن جاد، وكانوا يعرضون عليه ما يكتبون.

كانت نقطة تحول في حياة الشيخ الشعراوي، عندما أراد والده إلحاقه بالأزهر الشريف بالقاهرة، وكان الشيخ الشعراوي يود أن يبقى مع إخوته لزراعة الأرض، ولكن إصرار الوالد دفعه لاصطحابه إلى القاهرة، ودفع المصروفات وتجهيز المكان للسكن.

تزوج محمد متولي الشعراوي وهو في الثانوية بناءً على رغبة والده الذي اختار له زوجته، ووافق الشيخ على اختياره، لينجب ثلاثة أولاد وبنتين، الأولاد: سامي، وعبد الرحيم وأحمد، والبنتان فاطمة وصالحة، وكان الشيخ يرى أن أول عوامل نجاح الزواج هو الاختيار والقبول من الطرفين والمحبة بينهما.

التحق الشعراوي بكلية اللغة العربية سنة 1937، وانشغل بالحركة الوطنية والحركة الأزهرية، فكان يتوجه وزملاءَه إلى ساحاتِ الأزهر وأروقته، ويلقي بالخطب ، وكان وقتها رئيسًا لاتحاد الطلبة.

تخرج عام 1940، وحصل على العالمية مع إجازة التدريس عام 1943 ، وبعد تخرجه عين في المعهد الديني بطنطا، ثم انتقل بعد ذلك إلى المعهد الديني بالزقازيق ثم المعهد الديني بالإسكندرية وبعد فترة خبرة طويلة انتقل إلى العمل في السعودية عام1950 ليعمل أستاذًا للشريعة في جامعة أم القرى.

اضْطُرَّ الشيخ الشعراوي أن يدرِّس مادة العقائد رغم تخصصه أصلًا في اللغة وهذا في حد ذاته شكل صعوبة كبيرة إلا أن الشيخ الشعراوي استطاع أن يثبت تفوقه في تدريس هذه المادة لدرجة كبيرة لاقت استحسان وتقدير الجميع.

ثم عاد إلى القاهرة وعين مديرًا لمكتب شيخ الأزهر الشريف الشيخ حسن مأمون، ثم سافر بعد ذلك الشيخ الشعراوي إلى الجزائر رئيسًا لبعثة الأزهر هناك ومكث بالجزائر حوالي سبع سنوات قضاها في التدريس وحين عاد الشيخ الشعراوي إلى القاهرة وعين مديرًا لأوقاف محافظة الغربية فترة، ثم وكيلًا للدعوة والفكر، ثم وكيلًا للأزهر ثم عاد ثانية إلى السعودية، حيث قام بالتدريس في جامعة الملك عبد العزيز.

وفي نوفمبر 1976 إختار السيد ممدوح سالم رئيس الوزراء آنذاك أعضاء وزارته، وأسند إلى الشيخ الشعراوي وزارة الأوقاف وشؤون الأزهر، فظل الشعراوي في الوزارة حتى أكتوبر عام 1978.

أُعتبر أول من أصدر قرارًا وزاريًا بإنشاء أول بنك إسلامي في مصر وهو بنك فيصل وفي سنة 1987 اخْتِير عضوًا بمجمع اللغة العربية “مجمع الخالدين”. حصل على العديد من الجوائز والاوسمة منها : وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى لمناسبة بلوغه سن التقاعد في 15 أبريل 1976 قبل تعيينه وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر.

منح وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1983 وعام 1988. حصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعتي المنصورة والمنوفية.

اختارته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عضوًا بالهيئة التأسيسية لمؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، الذي تنظمه الرابطة، وعهدت إليه بترشيح من يراهم من المحكمين في مختلف التخصصات الشرعية والعلمية، لتقويم الأبحاث الواردة إلى المؤتمر.

جعلته محافظة الدقهلية شخصية المهرجان الثقافي لعام 1989 والذي تعقده كل عام لتكريم أحد أبنائها البارزين، وأعلنت المحافظة عن مسابقة لنيل جوائز تقديرية وتشجيعية، عن حياته وأعماله ودوره في الدعوة الإسلامية محليًا، ودوليًا، ورصدت لها جوائز مالية ضخمة.

اختارته جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم كشخصية العام الإسلامية في دورتها الأولى عام 1418 هجري الموافق 1998م. ترك الشعراوي كتبًا عديدة تركز في معظمها على رسالة القرآن الكريم، وقضايا العقيدة والفكر الإسلامي، وأحكام الفقه الإسلامي، ومن هذه الكتب: “المنتخب في تفسير القرآن الكريم”، و”الفتاوى”، و”نظرات في القرآن الكريم”، و”الطريق إلى الله”، و”على مائدة الفكر الإسلامي”، و”الإسلام والفكر المعاصر”، و”الشورى والتشريع في الإسلام”، و”مائة سؤال وجواب في الفقه الإسلامي”.

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو للشيخ عبد الرحيم الشعراوي، نجل إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي، وهو يروي تفاصيل آخر 18 يوما في حياة الإمام.

وقال عبد الرحيم الشعراوي: إن والده كان يكره المستشفيات والتواجد بها، وإنه قبل وفاته بحوالي 18 يوما انفصل تماما عن العالم الخارجي، ورفض الطعام والشراب والدواء، وحتى الرد على الهاتف المحمول، واكتفى فقط بتواجد أبنائه وأحفاده من حوله.

وأضاف: أنه قبل وفاة والده بيومين، طلب منه والده أن يجري تجهيزات الجنازة الخاصة به، وعندما رأى الشيخ الشعراوي الدموع في عين نجله قال له: «نعم؟.. من أولها؟.. قد المسئولية ولا مش قد المسئولية.. ربنا هيعينك إن شاء الله.. أنا عارف إن إنت اللي هتتحمل ومتتفاجئش وتبقى رابط الجأش».

وتابع: إنه مع بدء الساعات الأولى لليوم الذي حدد الشعراوي أنه اليوم الذي سيقابل فيه ربه بدأ يقلق على والده، طلب في هذا اليوم تقليم أظافره وأن يستحم ويلبس ملابس جديدة تماما، وطلب من أولاده أن يتركوه بمفرده، قائلا له «عاوز أقعد مع ربنا شوية».

وبين تفاصيل لحظة وفاته، قائلا: «بص والدي لفوق وقعد يقول أهلا سيدي أحمد.. أهلا سيدي إبراهيم.. أهلا السيدة زينب.. أهلا والله أنا جايلكم.. أنا استاهل كل ده؟.. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك محمدا رسول الله وطلع السر الإلهي»

روى الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، إن إمام الدعاة، كانت له الكثير من الكرامات التي تظهر على يد الأولياء الصالحين بسبب تقواهم في الدنيا.

وأضاف «هاشم» في تصريح له، أنه عمل مع الشيخ الشعراوي في جامعة مكة بالمملكة العربية السعودية، وذات يوم وجد جماعة يبكون من كرب نزل بهم، وطلبوا من الشعراوي أن يذهب معهم إلى مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليدعو لهم أمام الحجرة النبوية الشريفة.

وتابع: «ذهب الشعراوي معهم ووقف أمام الحجرة النبوية الشريفة في الروضة، ودعا لهؤلاء المكروبين، وتوسل إلى الله تعالى، قائلا: «مولاي -مخاطبا الرسول- ضيفك من كل الدنى جاءوا، فامنن عليهم بما شاءوا وفوق ما عرفوا من فضل ربهم ما قد عرفت، وكم لله آلاء من علوم الفضل أنت قاسمها والله معطاء، وأخذ الشعراوي يدعو في الروضة حتى إذا ما وصل هؤلاء المكروبون إلى مكة وجدوا الكرب قد كشفه الله بفضل دعائه».

موقف أخر، للشيخ الشعراوي واستجابة الدعاء، روته الدكتورة نادية عمارة، الداعية الإسلامية، التي قالت “إنها تتلمذت على يد الإمام الشعراوي حينما كانت في مرحلة الجامعة، وطلبت منه أن يدعو لها بأن تكون رسالتها في الماجستير والدكتوراه في «تفسيره»، فرفع يده بالدعاء قرابة الثلث ساعة داعيا لها، منوهة بأنه لقبها بالدكتورة قبل تخرجها وبالفعل استجاب الله لدعائه.

و حينما كان الامام الشعراوي متواجدا في مكة المكرمة وعند حدوث قطع العلاقات بين مصر والسعودية “المقاطعة العربية” كان الامام الشعراوي هو اول من رأى البشري الكبري بعدما حزن حزنا شديدا لقطع العلاقات.
حيث رأى رسول الله صلي الله عليه وسلم في المنام يضع يده الشريفة علي رأسه ويقول له : “لا تحزن يا شعراوي فان لنا بابا بمصر هو الحسين”.

ويستيقظ الشيخ الشعراوي من نومه فرحا مسرورا وشعر بارتياح شديد برؤيته لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي زف اليه البشارة الكبري وعند عودته الي مصر تعمد الشيخ الشعراوي الا يذهب الى منزله بمسقط رأسه دقادوس ميت غمر دقهلية قبل ان يقوم بزيارة سيدنا الحسين بالقاهرة وحين توجه الي مسجد الحسين بالقاهرة صلى تحية المسجد اولا ثم قام بالزيارة للضريح الحسيني ومكث به بعض الوقت ودعا ربه ان يجعل الصلة بينه وبين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفيده تكون موصولة دائما وأبدا دون انقطاع .

وشاءت ارادة الله تعالي ان يتحقق دعاء الشيخ الشعراوي بمجرد خروجه من الباب الخلفي المسمي بالباب الاخضر -والذي يخصص حاليا للسيدات – حيث وجد مفاجأة غير متوقعة في انتظاره عند خروجه تتمثل في أن الأرضية التي تطل علي المشهد الحسيني – المقام – تبني عليها عمارة هائلة فقام الشيخ الشعراوي بحجز شقتين بها خصص إحداها لإطعام الطعام والأخري اتخذها سكنا له ليجاور حفيد حبيبه سيدنا رسول الله صلي الله وسلم لتتحقق الرؤيا المباركة “لا تحزن يا شعراوي فان لنا بابا بمصر هو الحسين”.

منهجه الصوفي و انتقاله للجزائر
سافر إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله في عام 1963 إلي الجزائر رئيساً لبعثة الأزهر هناك ، وقد عاش الشيخ في الجزائر سبع سنوات ، ارتبط فيها ارتباطاً شديداً بالشيخ محمد بلقايد إمام علماء الجزائر وقتها ، وكان الشعراوي يشارك بصفة دائمة في مجالسه وفي حلقات الدروس التي يعقدها.

لم ير الشعراوي الشيخ بلقايد من قبل ، ولكنه عرفه عن طريق الرؤيا في المنام قبل أن يلقاه في الحقيقة في الجزائر ، وذلك حيث عرض على الشيخ الشعراوي أن يسافر كرئيس لبعثة الأزهر إلى الجزائر ولكنه هم بالرفض ، فجاءه رجل في الرؤيا يسأله لماذا لا تريد القدوم إلينا ، وطلب منه السفر للجزائر ، فغير الشيخ الشعراوي رأيه وقبل بالسفر.

وفي حفل الاستقبال الذي أقيم بمناسبة الذكرى الثامنة لاستقلال الجزائر في القصر الرئاسي بالجزائر ، لمح الشيخ الشعراوي رجلًا جالسًا ضمن مجموعة من العلماء ، وإذا به هو ذلك الشخص الذي جاءه في الرؤيا ولم يكن قد رآه من قبل ، وحينها أسرع الشيخ الشعراوي إلى الإمام محمد بلقايد الذي رآه وابتسم له فتعانقا ، وقد نظم الشعراوي قصيدة في مدح الإمام.
وقد سلك طريق التصوف وانتهجه بعد لقائه بالشيخ الصوفي الجزائري محمد بلقايد شيخ الطريق الهبرية الشاذلية، عندما التقى به فترة عمله في التدريس بدولة الجزائر وأخذ العهد على يديه.

 

انتقل العالم الجليل محمد متولي الشعراوي في 17 يونيو 1998 عن عمر ناهز 87 عامًا تاركًا وراءه مكتبة إسلامية تعد ذخرًا لطلاب العلم في شتى أنحاء العالم، وما زال يتذكره المصريون ويجتمعون لسماع خواطره في تفسير القرآن الكريم بأسلوب ميسر يفهمه المتبحر في علوم الدين وغير المتخصصين في الوقت ذاته، رحم الله الإمام.

زر الذهاب إلى الأعلى