...

ياسر التلاوي يكتب: لماذا نقول للمسيحيين: “كل عام وأنتم طيبون”؟

كالعادة وقبل ساعات من احتفالات الإخوة الأقباط بعيد الميلاد المجيد، تنتشر أخبار وأحاديث فى بعض وسائل الإعلام، وكأن الأمر حملات منظمة، مضمونها هو هل تجوز تهنئة الأقباط بالأعياد؟ وهو تساؤل سخيف لا يطيب لكثير من المصريين أن يسألوه.

لا نعرف بالضبط من وراء هذا السؤال الموسمي، ولكن المؤكد أنه هو نفسه الذي لا يريد لمصر العيش بسلام، ورغبته فى ذلك ظاهرة وواضحة، يحاول دائما التذكير أن هناك اختلافا فى الدين فى مصر، نعم هناك اختلاف فى الدين، ولكن هناك اتفاقا في الوطنية وحب مصر لم يتأثر بأية أحداث.

إن مصر في رباط إلى يوم الدين، ولن ينال أحد من وحدتها أبدا، كلنا أقباط، ” إيجيبت” تعني القبط، أي أهل مصر، ومصر بمسلميها ومسيحييها، والدين لله والوطن للجميع، وقرآننا العظيم يقول ” لكم دينكم ولي دين”.

لقد ولدت وتربيت في إحدى مدن الصعيد، ولم نكن أبدا نعرف حكاية مسيحي أو مسلم التي تسللت إلينا بفعل فاعل يريد هذا البلد بسوء، ومن يقرأ التاريخ ويطلع على ثورات المصريين ضد المحتلين الأجانب، سيكتشف أن المسلم كان إلى جوار المسيحي في دفاعهما عن وطنهما الذي لم يعرف أبدا التفرقة بين هذا وذاك، أظنها مؤامرة على مصر، نعم هي تفشل في كل مرة في النيل من وحدتنا ومحبتنا، لكن أصحابها مصرون على المضي فيها، وأطمئنهم وأقول لهم : ونحن أيضا مصرون على التعايش جنبا إلى جنب في محبة وسلام تحت سماء واحدة تظللنا جميعا إلى يوم القيامة.

أقول لأخوتي المسيحيين كل عام أنتم بخير وعيد سعيد عليكم وعلينا جميعا، أما الذين يتحفظون على تهنئة إخوتهم المسيحيين فأسوق إليه هذا الكلام:

لا بأس بتهنئة غير المسلمين بأعيادهم لمن كان بينه وبينهم صلة قرابة أو جوار أو زمالة، أو غير ذلك من العلاقات الاجتماعية، التي تقتضي حسن الصلة، ولطف المعاشرة التي يقرها العرف السليم.

أن المسلمين والمسيحيين يتعايشون معا، وتنعقد بينهم وبين كثير منهم روابط تفرضها الحياة، مثل الجوار في المنزل، والرفقة في العمل، والزمالة في الدراسة، وقد يشعر المسلم بفضل المسيحي عليه في ظروف معينة، مثل المشرف الذي يساعد الطالب المسلم بإخلاص، والطبيب الذي يعالج المريض المسلم بإخلاص، وغيرهما.

وكما قيل: إن الإنسان أسير الإحسان، وقال الشاعر: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم … فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ ما موقف المسلم من هؤلاء (غير المسلمين) المسالمين لهم، الذين لا يعادون المسلمين، ولا يقاتلونهم في دينهم، ولم يخرجوهم من ديارهم أو يظاهروا على إخراجهم

إن القرآن الكريم قد وضع دستور العلاقة بين المسلمين وغيرهم في آيتين من كتاب الله تعالى في سورة الممتحنة، وقد نزلت في شأن المشركين الوثنيين، فقال تعالى: (( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم، وظاهروا على إخراجكم، أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون )) الممتحنة: 8-9. ففرقت الآيتان بين المسالمين للمسلمين والمحاربين لهم: فالأولون (المسالمون): شرعت الآية الكريمة برهم والإقساط إليهم، والقسط يعني: العدل، والبر يعني: الإحسان والفضل، وهو فوق العدل، فالعدل: أن تأخذ حقك، والبر: أن تتنازل عن بعض حقك. العدل أو القسط: أن تعطي الشخص حقه لا تنقص منه. والبر: أن تزيده على حقه فضلا وإحسانا. وأما الآخرون الذين نهت الآية الأخرى عن موالاتهم: فهم الذين عادوا المسلمين وقاتلوهم، وأخرجوهم من أوطانهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله، كما فعلت قريش ومشركو مكة بالرسول – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه. وقد اختار القرآن للتعامل مع المسالمين كلمة (البر) حين قال: (أن تبروهم) وهي الكلمة المستخدمة في أعظم حق على الإنسان بعد حق الله تعالى، وهو (بر الوالدين).

إن موقف الإسلام من أهل الكتاب أخف من موقفه من المشركين الوثنيين، حتى إن القرآن أجاز مؤاكلتهم ومصاهرتهم، بمعنى: أن يأكل من ذبائحهم ويتزوج من نسائهم، كما قال تعالى في سورة المائدة: ((وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم)) المائدة:5

وقد أوصى الرسول الكريم أبا ذر بقوله: “اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن” ( قال الترمذي : حسن صحيح) هكذا قال: “خالق الناس” ولم يقل: خالق المسلمين بخلق حسن. كما حث النبي صلى الله عليه وسلم على (الرفق) في التعامل مع غير المسلمين، وحذر من (العنف) والخشونة في ذلك.

وتتأكد مشروعية تهنئة المسيحيين بهذه المناسبة إذا كانوا يبادرون بتهنئة المسلم بأعياده الإسلامية، فقد أمرنا أن نجازي الحسنة بالحسنة، وأن نرد التحية بأحسن منها، أو بمثلها على الأقل، كما قال تعالى: (( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها )) النساء:86. ولا يحسن بالمسلم أن يكون أقل كرما، وأدنى حظا من حسن الخلق من غيره.

قدموا التهئنة لإخوتكم المسيحيين، فالدين الإسلامي الحنيف لا يناهنا عن ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى