نعمات أحمد فؤاد تكتب: أم كلثوم الإنسانة والفنانة
في عام 1975 كتبت الدكتورة نعمات أحمد فؤاد مقالا عن سيدة الغناء العربي أم كلثوم قالت فيه:
عندما ظهرت أم كلثوم حدث تحول في الغناء بها ومن خلالها، وذلك بالتفاتها إلى دور الكلمة الجيدة في الأغنية واختيارها، ثم الأداء الموهوب والمحسوب، كما قام التجديد بما وجده الملحنون فيها من استعداد متعدد المواهب أغراهم بالتجديد وأعانهم عليه، ثم حاولت التجديد في شخصها وشخصيتها بالصقل والتعلم، كان أبو العلا يعلمها النغم وأصوله، ورامي يعلمها الأدب وفنونه، والدكتور صبري النجريدي وزكريا أحمد وداوود حسني يدربون صوتها تدريبا فنيا، يدربها على عزف العود حتى أجادته، كما قامت بحفظ قسط كبير من التواشيح وهي ذخر وذخيرة للمغني الشرقي الأصيل.
اجتمع لها رواد الفكر والشعر العقاد وطه حسين والمازني وشوقي وحافظ والبشري وعلموها القراءة والسماع والمجلس والصداقة مالا يتأتى مثله لغيرها على نفس المستوى والقدر والمقدار. وأعطاها الله مع هؤلاء الذكاء واللمح والطموح وخفة الروح مما ضاعف تأثيرهم. كل هذه العوامل التي يعز اجتماعها في وقت واحد لإنسان واحد، صنعت أم كلثوم فتقدمت لاكتمال الإدارة واستكمال الوسيلة وذكاء الشخصية ومواتاة الظروف. لم تكن أم كلثوم مطربة مجرد ميكروفون وصوت، بل كانت شخصية منسوجة خيطا خيطا على مهل نضجها استوى وبات على مستوى. وكلتاهما نموذج مشغول ومحسوب بحساب دقيق من أفق أعلى، وهذا ما أعنيه بأنه عندما ظهرت حدث تحول في فن الغناء، وغابت أم كلثوم فحدث تحول في فن الغناء، هبطت الكلمة واللحن والأداء. لم يحظ أحد بالإجماع غيرها.. وغيرها أصوات رياضية لكل صوت جمهور متواضع أو كبير، ولكنه في النهاية جمهور خاص محدود، لم يستطع صوت أن يكون جزءا منا جميعا وبلا استثناء في مصر وفي العالم العربي، لم يستطع صوت أن يكون في الدنيا شرقها وغربها، علما علينا ورمزا.
ها شخصية تاريخية بما أوحت إلى الكتاب والشعراء والمثالين والموسيقيين في الشرق والغرب. وهي شخصية عالمية بما أسعدت الناس في وطنها الأم وفي العالم العربي كله بل في الشرق والغرب. فقد استطاعت أم كلثوم أن تسيطر بالحب على الملايين وأن تكون في حياتهم أملا وبلسما وفرحة وإحساسا سعيدا.
إنها أم كلثوم بالأداء والنطق والقفلة والوقفة واللغة والحضور المتميز. إنها أم كلثوم بالجهد الكبير والتاريخ الطويل والعطاء الغالي الذي لم يترخص يوما لأنه محسوب ومشغول بذكاء واقتدار.