...

بنوك مصرية ساهمت فى اشتعال أسعار الدولار في السوق السوداء تعرف عليها

يرى مصرفيون ومحللون أن سماح بعض البنوك العاملة فى مصر للمستوردين بإيداع العملة الصعبة لفتح اعتمادات مستندية دون سؤالهم عن مصدر العملة مقابل التنازل عن 20% من المبلغ المطلوب، يمثل أحد أهم أسباب اشتعال سعر الدولار مقابل الجنيه فى السوق الموازية. تزامن ذلك مع قيام بعض القطاعات الصناعية والتجارية والعقارية بالبيع بالدولار بدلاً من الجنيه، ما أجّج الأزمة بالآونة الأخيرة.

تعيش مصر أزمة اقتصادية صعبة، تفاقمها التوترات الجيوسياسية فى المنطقة، إلى جانب شح شديد فى السيولة الدولارية لديها بسبب تراجع تحويلات العاملين فى الخارج، وقناة السويس، والصادرات.

فيما يبلغ سعر الصرف الرسمى 30.9 جنيه للدولار فى البنوك، تجاوز السعر فى السوق السوداء 70 جنيهاً خلال معاملات نهاية الأسبوع الماضي. والتنازل عن العملة الصعبة فى البنوك العاملة فى مصر يعنى بيعها بسعر الصرف الرسمى عند 30.95 جنيه.

قال متعاملون فى السوق الموازية إن سعر الجنيه ارتفع فى السوق الموازية إلى ما بين 52 و55 جنيهاً مقابل الدولار لكن وسط تنفيذات وصفوها بالشحيحة خلال معاملات أمس الأحد.

المصريون يبحثون عن ملاذات آمنة لمدخراتهم

يبحث العديد من المصريين عن ملاذات آمنة لحماية مدخراتهم وسط توقعات بإجراء خفض رابع لقيمة الجنيه المصري، ما أدى الى ارتفاع أسعار العقارات ودفع العديد من المطورين إلى إرجاء بيع الوحدات، كما كان الانعكاس الأكبر على سعر الذهب فى السوق المحلية والذى قفز إلى معدلات تاريخية بلغت 4 آلاف جنيه للغرام عيار 21 الأكثر شعبية فى مصر.

أحد كبار مستوردى الأجهزة المنزلية فى مصر قال  : «مازالت البنوك تقبل منا الدولار دون السؤال عن مصدره مقابل التنازل عن حصة للبنك، البنوك ليست لديها عملة صعبة وهى فى أشد الحاجة للعملة لتغطية بعض من مراكزها المكشوفة، أوقفنا البيع بالشيكات والآجل ولا نبيع إلا بمقابل فورى «كاش» للتجار لتوفير سيولة، مَن معه «كاش» هو فقط من يشترى حالياً».

مفاوضات ناجحة مع صندوق النقد

من أجل المساهمة فى حل أزمتها الدولارية تعمل مصر على التوصل لزيادة قيمة تمويلها من صندوق النقد الدولي، بجانب بيع بعض من أصولها وشركاتها الناجحة.

أنهت بعثة الصندوق زيارتها إلى القاهرة، الخميس الماضي، وأعلنت عن إحراز تقدم فى المناقشات مع السلطات المصرية، فيما ستواصل عقد لقاءات افتراضية لتحديد حجم الدعم الإضافى اللازم لسد فجوة التمويل المتزايدة فى البلاد.

قال الصندوق، فى بيان صادر عن البعثة نهاية الأسبوع الماضى إن فريق الصندوق والسلطات المصرية حققا تقدماً ممتازاً فى المناقشات حول حزمة السياسات الشاملة اللازمة للتوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء للمراجعتين الأولى والثانية المجمعتين لبرنامج الإصلاح الاقتصادى فى مصر الذى يدعمه الصندوق.

تعد مصر ثانى أكبر مقترض من صندوق النقد الدولى بعد الأرجنتين المتخلفة عن السداد.

أهم أسباب أزمة العملة

اعتبر نائب رئيس المعاملات الدولية والخزانة فى أحد البنوك الخاصة العاملة بمصر ، أن من أهم أسباب أزمة العملة الحالية فى مصر هو سماح البنوك منذ العام الماضى بتمويل المستوردين للسلع غير الأساسية والسماح لهم بتخطى دورهم فى قائمة الانتظار بشرط توفير الدولار للبنك دون سؤالهم عن مصدره بشرط التنازل عن ما يصل إلى 20% منه للبنك، وهو ما عمل على وجود طلب كبير على العملة بالسوق الموازي.

أوضح أن البنوك تراعى تنفيذ هذه المعاملات بذكاء تجنباً للوقوع فى مخالفات، من خلال عدم قبول الدولار بشكل مباشر من المستورد، بل من خلال أطراف على صلة به بعد اتفاق العميل مع البنك، وبعد تنازل هذه الأطراف عن الدولار على شباك أحد فروع البنك، يقوم المستورد بإرسال صور هذه التنازلات لمسؤول تمويل الاعتمادات المستندية لإتمام المعاملة.

هانى جنينة، كبير الاقتصاديين فى شركة «كايرو كابيتال» لتداول الأوراق المالية، قال إن البنوك تهدف من هذا القرار لجذب الدولار المتداول بالسوق الموازية داخل القطاع المصرفى تدريجياً للاستيراد به، للمساهمة فى حل أزمة نقص العديد من السلع والخدمات بالسوق المصرية حتى تهدأ الأسعار وتتوافر السلع.
انفلات الأسعار فى مصر

سادت العشوائية فى تسعير السلع والمنتجات بالأسواق المصرية خلال الأسبوعين الماضيين بشكل كبير وسط غياب الرقابة الحكومية بسبب عدم نجاحها فى توفير العملة الصعبة للمستوردين، وهو ما دفع بعض القطاعات لتسعير وبيع منتجاتها بالدولار كالحديد والعقارات والأسمدة والأعلاف.

رئيس إحدى شركات حديد تسليح، قال: «عند استيراد خام من الخارج، ولكى تسمح لنا البنوك بإجراء إيداعات دولارية دون السؤال عن مصدرها، يكون مطلوباً منا التنازل عن حصة تتراوح بين 10% و20% من قيم الإيداعات الإجمالية، أى أننا إذا أردنا استيراد خامات بـ10 ملايين دولار، فإننا نودع لدى البنك نحو 11 – 12 مليون دولار لفتح الاعتماد المستندي».

قفزت أسعار حديد التسليح بأكثر من 58% خلال أقل من شهرين إلى 65 ألف جنيه، وسط شكوى من بعض الشركات العقارية بعدم توافره فى الأسواق.

وأوضح مسؤول حكومى إن عدداً من الشركات المستوردة للأعلاف عقدت اجتماعاً الأسبوع الماضى مع شركات وتجار للاتفاق معهم على البيع بالدولار واليورو.

زادت اللحوم والدواجن بالأسواق الشعبية فى عدد من المناطق بمحافظات مصر بين 30 و35% خلال نهاية الأسبوع الماضى ليصل كيلو الدواجن إلى 100 جنيه والكيلو جرام من اللحوم الحمراء إلى 370 جنيهاً بحسب 5 من مراسلى «الشرق» بمكتب القاهرة.

وقال عضو مجلس إدارة بأحد البنوك الخاصة فى مصر  ، إن البنوك بعد قبولها تمويل المستوردين من خلال تنازلات عن الدولار رفعت نسبة العمولات على تمويل الاعتمادات المستندية للاستيراد ليصل سعر الدولار الواحد بين 38 و39 جنيهاً لكل دولار بما يعنى أن سعر الدولار الرسمى على الشباك بالبنك غير مطابق للسعر الذى يتم به بيع أو شراء العملة رسمياً.

اتفق مصرفيون بشأن عدم صدور قرار رسمى من البنك المركزى بقبول البنوك تنازلات عن الدولار من المستوردين، ولكن يغض المركزى الطرف بشرط إتمام المعاملة بعناية وتجنب تلقيه شكاوى من العملاء.

يرى مصرفيان فى أحد البنوك الحكومية الكبيرة، أن سماح البنوك باستيراد السلع غير الأساسية كالسيارات والأجهزة الكهربائية مقابل عمولة تدبير تصل إلى 20% من أهم أسباب ارتفاع سعر الدولار بالسوق الموازية.

تسهيل استيراد السيارات

منتصر زيتون عضو الشعبة العامة للسيارات فى اتحاد الغرف التجارية قال إن البنوك «فتحت الباب لاستيراد السيارات بعقود مسجلة بنهاية العام الماضي، وهو أحد الأسباب التى أدت لزيادة الطلب على الدولار بالسوق الموازية».

أضاف: «اتجه الوكلاء لاستيراد السيارات بالدولار أو اليورو بعقود مسجلة من المناطق الحرة وهو ما سمحت به البنوك مؤخراً بدلاً من الإفراج الجمركى المجمع».

اتفق السيد المكاوى عضو شعبة السيارات بالاتحاد العام بالغرف التجارية، ورئيس مجموعة المكاوى للسيارات خلال حديثه، مع زيتون بشأن أن تسهيل قبول البنوك الدولار من المستوردين مقابل نسبة من الإيداعات أدى إلى ارتفاع سعر العملة بالسوق الموازية.

أَضاف أن المبالغة فى تسعير الدولار فى السوق الموازية أصبح عائقاً أمام المستورد لفتح اعتمادات مستندية بسبب زيادة أسعار السلع فوق قدرة المستهلك واصفاً سعر الدولار الحالى بالسعر المانع للاستيراد حيث تضاعفت أسعار بعض السيارات بنحو 6 مرات على مدار آخر عامين.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى