...

نقص الأدوية في مصر ازمة بلا حل.. ومسئول: انتظروا ثمار رأس الحكمة

تسعى الحكومة المصرية لسد العجز في قطاع الدواء، من خلال سبل مختلفة، من بينها خطة لتوطين صناعة الدواء في مصر، والإفراج عن شحنات المواد الخام ومستلزمات الإنتاج المعطلة داخل الموانئ منذ شهور، بسبب أزمة الدولار.

وفي هذا السياق، عقد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، اجتماعا لمتابعة تطورات مسألة توفير التمويل المطلوب، من النقد الأجنبي للسلع الاستراتيجية والأدوية.

وأمر مدبولي خلال الاجتماع الأجهزة الحكومية المعنية، مثل وزارة المالية والبنك المركزي وهيئة الشراء الموحد، بتوفير التمويل المطلوب من النقد الأجنبي، لإتاحة الأدوية والسلع الغذائية الرئيسية في الأسواق المصرية، وذلك وفق ما صرح به محمد الحمصاني المتحدث باسم مجلس الوزراء عقب الاجتماع.

ويقول الحمصاني إن صفقة “رأس الحكمة” التي تم توقيعها مؤخرا بين مصر والإمارات، ستسهم في توفير سيولة دولارية في السوق المصرية خلال الشهرين المقبلين، بقيمة تصل إلى 24 مليار دولار أمريكي، سيستخدم جزء منها في تمويل صفقات شراء الأدوية وتوفير المادة الخام للإنتاج، فضلا عن الإفراج عن كميات كبيرة من الأدوية ومستلزمات الإنتاج العالقة داخل الجمارك، بسبب عدم توفر الاعتمادات الدولارية اللازمة لها.

ويرى مراقبون أن هذه الحلول، تبدو “مُسكِنات” لمرض خطير، يكمن في أن مصر تعتمد بنسبة 90 في المئة على الاستيراد من الخارج، للحصول على المواد الخام والفعالة ومستلزمات الإنتاج والتعبئة والتغليف للأدوية، معتبرين أن الحل يتمثل في توطين صناعة الدواء محليا، وتسجيل المزيد من الأصناف الدوائية داخل منظومة الإنتاج المصرية، لتقليل نسبة الاعتماد على الخارج في توريد الدواء…واليكم قصة هذا المواطن:

أمضي عمرو عبد المجيد (اسم مستعار) نهار يومه، في البحث عن دواء لسيولة الدم موصوف له بموجب “وصفة طبية معتمدة”، كدواء دائم، بعد خضوعه لعمليتين جراحيتين في القلب قبل نحو عامين.

حاول عمرو الحصول على الدواء، عبر فروع إحدى السلاسل الشهيرة للصيدليات في مصر لكنه فشل، قبل أن يجده أخيرا في صيدلية صغيرة، تقع في شارع جانبي بالحي الذي يسكن فيه.

غير أن عمرو لم يجد سوى علبة واحدة فقط من الدواء، بنصف التركيز المطلوب من المادة الفعالة. وقد حصل عليها، بعد رجاء حار للصيدلي الذي رق لحاله، باعتبار أن الدواء ضروري جدا، لمنع تكوّن الجلطات، التي ربما تؤدي إلى الوفاة.

فقد أخبر عمرو الصيدلي أنه يشعر بآلام حادة في صدره وضيق في التنفس، وبعض الخدر في أطرافه، بسبب عدم تناوله لهذا الدواء منذ يومين.

ويقول عمرو إن سعر علبة الدواء كاملة، يبلغ نحو 10 جنيهات مصرية (23 سنتا أمريكيا تقريبًا)، وهو سعر زهيد جدًا في سوق الدواء المصرية حاليا، لكن عدم الحصول عليه يؤدي لمشكلات طبية خطيرة، تؤثر على صحته، ولهذا فهو مستعد لأن يدفع أضعاف هذا السعر، مُقابل شراء المزيد من عبوات هذا الدواء لأهميته.

وكتب عمرو مؤخرا عبر صفحته على فيسبوك الرسالة التالية “إلى أصدقائي الكرام وكل من يحبني، أو يهمه أمري، أرجوكم أبحث عن هذا الدواء بأي سعر، ومستعد أن أدفع تكاليف التوصيل من أي مكان في الجمهورية”.

ويتسبب عدم حصول عمرو على الجرعة الموصوفة من هذا الدواء، في معاناته من آلام مبرحة في الصدر، وصعوبة في التركيز وضيق في التنفس، ويُخشى عليه في هذه الحالة، من التعرض لذبحة صدرية، وربما لما هو أسوأ في نهاية الأمر .

حالة عمرو واحدة من ملايين الحالات لمرضى مصريين يبحثون عن أدوية ضرورية ومُنقذة للحياة، ويجدون صعوبة كبيرة في توفيرها بسبب أزمة نقص السيولة من العملات الأجنبية وفي مقدمتها الدولار الأمريكي، والتي تستخدم لتمويل صفقات شراء الأدوية من الخارج، سواء لاستيرادها جاهزة للبيع، أو للحصول على المواد الخام ومستلزمات الإنتاج

يقول محمود فؤاد رئيس جمعية “الحق في الدواء” إن أصل أزمة الدواء في مصر ينبع من كونه سلعة تخضع لما يُعرف بـ “التسعيرة الجبرية” التي تضعها الحكومة، باعتبارها سلعة استراتيجية مهمة، لا يجوز التخلي عنها، أو تركها لقوى العرض والطلب.

وأوضح فؤاد أن هذه التسعيرة لم تتغير منذ عام 2017، عندما كان سعر الدولار الواحد داخل البنوك 18 جنيها فقط، بينما وصل السعر حاليا في القطاع المصرفي، إلى أكثر من 30 جنيها. أما إذا تحدثنا عن السوق الموازية، فالسعر يختلف تماما بحسب فؤاد، الذي يشدد على أن الدواء غير متوفر بالأساس.

ويقول رئيس جمعية “الحق في الدواء” إن هناك أكثر من 100 شركة أدوية مُسجَلة لدى البنك المركزي المصري، تنتظر دورها لتوفير الاعتمادات الدولارية اللازمة لها، لتمويل صفقات شراء الأدوية، أو المواد الخام ومستلزمات الإنتاج من الخارج.

وتعاني بعض الشركات المنتجة لأدوية مهمة مثل مخفضات الحرارة والمضادات الحيوية بجانب العقاقير الخاصة بمعالجة أمراض مزمنة، كالضغط والقلب والسكري، من عدم توافر الموارد الدولارية لاستيراد المادة الخام، التي تدخل في صناعة هذه الأدوية وتركيبها، وأغلبها يأتي من الخارج بالعملة الصعبة.

ويوضح فؤاد أن غياب الدولار، أثر أيضا على توافر بعض الأدوية المُساعدة الأخرى، التي تلقى طلبا موسميًا مرتفعا، مثل أدوية البرد والسُعال، فضلا عن الفيتامينات والمُكمِلات الغذائية، التي لا تخضع أصلا للتسعيرة الجبرية الحكومية، باعتبارها أدوية غير أساسية، مشيرا إلى أن هذه الأدوية، شهدت مؤخرا ارتفاعات متوالية دون رقيب أو ضابط، رغم أهميتها القصوى لبعض الحالات المرضية، على حد قول رئيس جمعية الحق في الدواء.

أحد أبعاد المشكلة أيضا يكمن داخل الصيدليات ومخازن التوريد، التي تأثرت بشكل كبير بمشكلة نقص الأدوية.

وتقول الدكتورة منال أحمد سليم مديرة صيدلية شرقي القاهرة، إن الأزمة طالت قطاعات عديدة من الأدوية الرئيسية، وكذلك البدائل المحلية المتاحة لها.

ورصدت ارتفاع أسعار الأصناف المستوردة من الخارج، بنسبة تصل إلى 70 في المئة من قيمتها الحقيقية، بينما ارتفعت أسعار البدائل المحلية، بنسب تتراوح بين 30 و50 في المئة بحسب الشركات المنتجة، وهو ما يُعزى – كما تقول – للزيادة الكبيرة في الطلب.

وقد ألقت الأزمة بتبعات اقتصادية كبيرة على قطاع الصيدليات، بسبب إحجام شركات الأدوية، عن إعطاء نسب خصم للصيدليات، تمثل عادة هامش الربح المُحتَمل للصيادلة.

واضطر العديد من المرضي إلى التخلي عن شراء جميع الأصناف المُدرجة في الوصفات العلاجية، التي يوصيهم بها الأطباء. ويسعون لشراء إما الأدوية الأكثر أهمية، أو الأقل سعرا، وهو ما يُلقي بضغوط شديدة على الصيدلي، الذي يتعين عليه إقناع المريض بأهمية الأدوية الموصوفة له، أو صرف بعض البدائل المحلية، التي قد تكون أقل فعالية، أو ذات أضرار جانبية.

وتقول نجوى هاشم نقيب صيادلة الجيزة إن “الصيدلي مظلوم” في أزمة الدواء الحالية، وإنه لا توجد مشكلة في نقص الأدوية، لكن الأزمة مرتبطة – حسبما تقول – بعمليات التوزيع في مختلف أنحاء مصر.

فالشركات المنتجة لا توزع الأدوية، وفقاً لما تقوله نجوى هاشم، على الصيدليات ومراكز البيع للجمهور، ولكن توزعها على مخازن الأدوية، التي تحتكر أغلبها، ولا توزعه على الصيدليات، بل تبيعه عبر صفحات الإنترنت، أو في العيادات بعيدا عن رقابة الدولة، وحتى ما تقوم بتوزيعه على الصيدليات توزعه بدون نسبة خصم، أي أن الصيدلي يشتري الدواء بسعره، ويقوم ببيعه بالسعر نفسه، من دون الحصول على هامش ربح.

وتقول نقيب صيادلة الجيزة، إن الأزمة الحالية أدت إلى إغلاق عشرات الصيدليات في نطاق عملها بمحافظة الجيزة، بسبب تراكم المديونيات، وتآكل رأس المال، فالمبلغ الذي كان كافيا لشراء خمس علب من دواء ما الشهر الماضي، لا يكفي الآن إلا لشراء ثلاث علب أو علبتين، إلى جانب امتناع الصيدليات، عن توريد أصناف الأدوية الرئيسية داخل الصيدليات.

وتطالب نجوى هاشم بتعزيز رقابة السلطات في مصر، على مخازن الأدوية ومراجعة دفاتر الشركات المنتجة لها، وخطوط الإنتاج الخاصة بها. كما تدعو لأن تشمل هذه الرقابة، أماكن توزيع الدواء وأسعاره المعلنة بشكل واضح من جانب الشركات المنتجة له، وعدم اقتصار عمليات التفتيش على الصيدليات فقط، معتبرة أن الصيدليات تمثل “الطرف الأضعف

ومن جانبها، تقول غرفة تجارة الأدوية المصرية، عبر الدكتور علي عوف رئيس شعبة الدواء باتحاد الغُرَف التجارية المصرية، إنه يتم شن حملات ذات صلاحيات ضبطية قضائية معتمدة، على مخازن الأدوية، تماما مثل تلك التي تتعرض لها الصيدليات، وأنه يتم مراجعة دفاتر هذه المخازن، بعناية وتدقيق.

وفي محاولة للرد على ما يقال بشأن نقص الأدوية بسبب أزمة السيولة ونقص الدولار في مصر، قال الدكتور عوف إن نقص السيولة الدولارية، يمثل أحد أسباب أزمة نقص الدواء، ضمن ما وصفه بـ “سلسلة طويلة” من الأسباب

ويكمن بعض هذه الأسباب، كما قال، في مسائل فنية متعلقة بخطوط الإنتاج، مثل قطع غيار الآلات، أو المادة الفعالة، التي قد تكتشف معامل هيئة الدواء في مصر، أنها غير مطابقة للمواصفات، ومن ثم يتم إعدام تلك المادة.

ويرى رئيس شعبة الدواء باتحاد الغُرَف التجارية المصرية، أن مصر تعاني في الأساس من خلل في طريقة التعامل مع الدواء، تبدأ – كما قال – من الطبيب الذي يكتب في وصفته الطبية الاسم التجاري للدواء، رغم أنه يجري في أغلب دول العالم كتابة الاسم العلمي له أو المادة الفعالة الموجودة فيه. أما الصيدلي فيتولى صرف ما هو متوفر من بدائل تتبع هذا الاسم العلمي، قائلا “نحن في حاجة ماسة لتغيير ثقافة المريض والطبيب”.

ويضرب الدكتور عوف مثالا على هذا الأمر، عبر الإشارة إلى نقص عقار “البنادول” خلال إحدى الفترات أثناء أزمة تفشي وباء كورونا، قائلا إن المادة الفعالة لهذا الدواء هي “الباراسيتامول” أو “البارامول”، وأن هناك أكثر من 50 شركة تنتج الأدوية، التي تحتوي على هذه المادة الفعالة، بأسماء تجارية مختلفة.

وفي هذا الإطار يقول رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية المصرية، إنه لا يوجد أي نقص في أدوية الأورام على الإطلاق، لكن هذه الأدوية تباع بأسعار مرتفعة جدا نظرا لطبيعتها، وأنها أدوية تخصصية نادرة، مشيرا إلى أن إحدى الحقن التي تعالج الأورام قد يصل ثمنها لأكثر من 30 ألف جنيه مصري ( 970 دولارا أمريكيا) ، وهو مبلغ لا تستطيع أغلب الصيدليات، المدرجة ضمن 80 ألف صيدلية مسجلة على مستوى الجمهورية، توفيره للمرضى، كما أن بعض هذه الأدوية، تتعرض للغش التجاري، أو تباع في السوق السوداء بأسعارٍ مبالغٍ فيها جدا، ولذلك فإن هيئة الدواء أعلنت، كما يقول، أن أدوية الأورام تباع فقط في صيدليات “الشركة المصرية لتجارة الأدوية” كمنفذ وحيد، وتصرف عبر وصفة طبية، وتقرير طبي معتمد، وصورة بطاقة الرقم القومي، التي تمثل بطاقة الهوية في البلاد.

وتشير أرقام غرفة الدواء باتحاد الغرف التجارية المصرية، إلى أن حجم تجارة الأدوية بلغ 140 مليار جنيه مصري (4.516 مليار دولار أمريكي) خلال العام الماضي، وأن مصر توفر ما يزيد على 90 في المئة من الأدوية المستهلكة فيها عبر الإنتاج المحلي، ويتم استيراد الباقي، والذي يتمثل في أدوية الأورام والعلاج الهرموني والأمراض التخصصية النادرة، بقيمة تصل إلى نحو ثمانية مليارات جنيه مصري (258 مليون دولار أمريكي).

وتخصص هيئة الدواء المصرية الرقم الساخن 15301، للإجابة على أي استفسارات تتعلق بنقص الدواء، وذلك لإطلاع المريض على مكان توافر علاجه وسعره، ومدى توافر بدائل خاصة به، داخل السوق المصرية.

زر الذهاب إلى الأعلى